تا ريخ اولادعقيل بن ابي طالب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عقيدة وتاريخ وسياسة وانساب


    اسرار البلاغة الامام الجرجاني الجزء الاول

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 49
    تاريخ التسجيل : 30/10/2009

    اسرار البلاغة الامام  الجرجاني                 الجزء الاول Empty اسرار البلاغة الامام الجرجاني الجزء الاول

    مُساهمة  Admin الإثنين نوفمبر 02, 2009 6:51 am






    الإمام الجرجاني



    أشهر تآليف الإمام الجرجاني وأجلها، قال السيد محمد رشيد رضا: (وهذا الكتاب يفضل جميع ما بين أيدينا من كتب هذا الفن، لأنها تقتصر على سرد القواعد والأحكام بعبارات اصطلاحية تنكرها بلاغة الأساليب العربية(

    يعتبر الجرجاني بهذا الكتاب عند كثير من الباحثين واضع نظرية النظم، وملخصها: أن جمال البلاغة ليس في اللفظ ولا في المعنى، وإنما في نظم الكلام، أي الأسلوب، وبناء الجملة، ومواقع الإيجاز والإطناب، وضرورة مطابقة الكلام لمقتضى الحال. كما يعتبر (أساس البلاغة) بمثابة المقدمة المنهجية لكتاب الجرجاني التطبيقي (دلائل الإعجاز). وقد تأثر الجرجاني في كتابه هذا بأسلوب الجاحظ، وكان يردد أقواله بإعجاب، ويستشهد بها في زهو وثقة.

    بسم اللّه الرحمن الرحيم

    مقدمة المصنف

    الحمد للّه رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين

    اللفظ والمعنى

    اعلم أن الكلام هو الذي يُعطي العلومَ منازلها، ويبيّن مراتبها، ويكشفُ عن صُوَرها، ويجني صنوفَ ثَمَرها، ويدلُّ على سرائرها، ويُبْرِزُ مكنون ضمائرها، وبه أبان اللّه تعالى الإنسان من سائر الحيوان، ونبّه فيه على عِظَم الامتنان، فقال عزّ من قائل: "الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانَ" "الرحمن1-4"، فلولاه لم تكن لتتعدَّى فوائدُ العلمِ عالِمَه، ولا صحَّ من العاقل أن يَفْتُق عن أزاهير العقلِ كمائمه، ولتعطَّلَت قُوَى الخواطر والأفكار من معانيها، واستوَتِ القضيّة في مَوْجُودَها وفانيها، نَعمْ، ولوقع الحيُّ الحسَّاس في مرتبةِ الجماد، ولكان الإدراك كالذي ينافيه من الأضداد، ولبقيتِ القلوب مُقْفَلةً تَتَصَوَّنُ على ودائعها، والمعاني مَسْجُونَةً في مواضعها، ولصارت القرائح عن تصرُّفها معقولةً، والأذْهان عن سلطانها معزولةً، ولما عُرف كفرٌ من إيمان، وإساءة من إحسان، ولما ظهر فرقٌ بين مدح وتزيين، وذمّ وتهجين، ثم إنّ الوصف الخاصَّ به، والمعنى المثبِتَ لنسبه، أنه يريك المعلومات بأوصافها التي وجدها العلم عليها، ويقرِّر كيفياتها التي تتناولها المعرفةُ إذا سَمَتْ إليها، وإذا كان هذا الوصفُ مقوِّمَ ذاته وأخصَّ صِفاته، كان أشرف أنواعه ما كان فيه أجلى وأظهر، وبه أولى وأجدر، ومن ها هنا يبيّن للمحصل، ويتقرّر في نفس المتأمِّل، كيف ينبغي أن يَحْكُمْ في تفاضُل الأقوال إذا أراد أن يقسّم بينها حظوظها من الاستحسان، ويعدّل القسمةَ بصائب القِسطاس والميزان، ومن البيّن الجليّ أن التبايُنَ في هذه الفضيلة، والتباعد عنها إلى ما ينافيها من الرذيلة، ليس بمجرَّد اللفظ، كيف والألفاظ لا تُفيد حتى تُؤلَّف ضرباً خاصّاً من التأليف، ويُعْمَد بها إلى وجه دونِ وجهٍ من التركيب والترتيب، فلو أنك عَمَدت إلى بيت شعرٍ أو فَصْل نثرٍ فعددت كلماته عَدّاً كيف جاء واتَّفق، وأبطلت نضدَهُ ونظامه الذي عليه بني، وفيه أفرغ المعنى وأجري، وغيّرت ترتيبه الذي بخصوصيته أفاد ما أفاد، وبنَسَقِه المخصوص أبان المراد، نحو أن تقول في: "من الطويل قِفا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبيبٍ ومنزل" منزل قفا ذكرى من نبك حبيب، أخرجته من كمال البيان، إلى مجال الهَذَيان، نعم وأسقطت نسبتَهُ من صاحبه، وقطعت الرَّحمِ بينه وبين مُنْشِئه، بل أحَلْت أن يكون له إضافةٌ إلى قائل، ونَسَبٌ يَخْتَصّ بمتكلم، وفي ثبوت هذا الأصل ما تَعْلم به أنّ المعنى الذي له كان هذه الكلم بيتَ شعرٍ أو فصلَ خطابٍ، هو ترتيبها على طريقة معلومة، وحصولها على صورة من التأليف مخصوصة، وهذا الحُكْمُ - أعني الاختصاص في الترتيب - يقع في الألفاظ مرتَّباً على المعاني المرتَّبَة في النفس، المنتظمةِ فيها على قضيّة العقل، ولا يُتّصوَّر في الألفاظ وُجُوبُ تقديم وتأخير، وتخصُّصٍ في ترتيب وتنزيل، وعلى ذلك وُضِعَت المراتبُ والمنازلُ في الجمل المركَّبة وأقسام الكلام المدَّونة



    فقيل: من حق هذا أن يَسبق ذلك، ومن حقِّ ما هاهنا أن يقع هنالك، كما قيل في المبتدأ والخبر والمفعول والفاعل، حتى حُظِر في جنس من الكلم بعينه أن يقع إلاّ سابقاً، وفي آخَرَ أن يوجد إلا مبنيَّاً على غيره وبه لاحقاً، كقولنا: إن الاستفهام له صدر الكلام، وإن الصفة لا تتقدم على الموصوف إلا أنْ تُزال عن الوصفية إلى غيرها من الأحكام، فإذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثْراً، ثم يجْعَلُ الثناءَ عليه من حيث اللّفظ فيقول: حُلْوٌ رشيق، وحَسَنٌ أَنيقٌ، وعذبٌ سائغٌ، وخَلُوبٌ رائعٌ، فاعلم أنه ليس يُنبئك عن أحوالٍ ترجعُ إلى أجْراس الحروف، وإلى ظاهر الوضعِ اللغويّ، بل إلى أمرٍ يقع من المرء في فؤاده، وفضلٍ يَقْتدحُه العقلُ من زِناده، وأمَّا رجوع الاستحسان إلى اللفظ من غير شِرْكٍ من المعنى فيه، وكونِه من أسبابهِ ودواعيه، فلا يكاد يَعْدُو نمطاً واحداً، وهو أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس في استعمالهم، ويتداولُونه في زمانهم، ولا يكون وَحْشِياً غريباً، أو عامّياً سخيفاً، سُخْفُهُ بإزالته عن موضوع اللغة، وإخراجه عما فرضتْه من الحكم والصفة، كقول العامة أشْغَلتَ وانفسد، وإنما شرطتُ هذا الشرط، فإنه ربما استُسخف اللفظ بأمر يرجعُ إلى المعنى دون مجرَّد اللفظ، كما يحكى من قول عبيد اللّه بن زياد لما دُهش: افتحوا لي سيفي، وذلك أن الفتح خلاف الإغلاق، فحقُّه أن يتناول شيئاً هو في حكم المُغلقَ والمسدود، وليس السَّيف بمسدود، وأقصى أحوالِهِ أن يكون كونُه في الغِمْد بمنزله كَوْنِ الثوب في العِكْمِ، والدرهم في الكيس، والمتاعِ في الصندوق، والفتح في هذا الجنس يتعدَّى أبداً إلى الوِعاء المسدود على الشيء الحاوي له لا إلى ما فيه، فلا يقال: افتحِ الثوبَ، وإنما يقال: افتحِ العِكْمَ وأخرجِ الثوب و افتحِ الكيس، وها هنا أقسام قد يُتَوهَّمُ في بَدْءِ الفكْرة، وقبلَ إتمام العِبرة، أنَّ الحُسْنَ والقبحَ فيها لا يتعدَّى اللفظَ والجَرَسَ، إلى ما يُناجِي فيه العقلُ النفسَ، ولها إذا حُقّق النظر مَرجِعٌ إلى ذلك، ومُنْصَرَفٌ فيما هنالك، منها: التجنيس والحشو.



    القول في التجنيس

    أما التجنيس فإنك لا تستحسن تجانُس اللفظتين إلا إذا كان وقع معنييهما من العقل موقعاً حميداً، ولم يكن مَرْمَى الجامع بينهما مَرْمًى بعيداً، أتراك استضعفتَ تجنيس أبي تمام في قوله:



    من الكامل ذَهَبَت بمُذْهَبَهِ السَّمَاحَةُ فَالْتَوتفِيهِ الظُّنُونُ: أَمَذْهَبٌ أم مُذْهَبُ



    واستحسنتَ تجنيس القائل: "حتى نَجَا من خَوفِهِ وَمَا نَجا" وقول المحدَث:



    ناظِراه فيما جَنَى ناظِـراه أوْ دَعانِي أمُتْ بما أَودعَانِي



    لأمرٍ يرجع إلى اللفظ? أم لأنك رأيتَ الفائدة ضَعُفَت عن الأوّل وقويتَ في الثاني? ورأيْتَك لم يزدك بمَذْهب ومُذهب على أن أَسْمَعَكَ حروفاً مكررةً، تروم فائدة فلا تجدُها إلا مجهولةً منكرةً، ورأيتَ الآخر قد أعَادَ عليك اللفظةَ كأنه يخدعُك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يَزِدْك وقد أحسن الزيادة ووفَّاها، فبهذه السريرة صار التجنيس - وخصوصاً المستوفَى منه المُتَّفَقَ في الصورة - من حُلَى الشّعر، ومذكوراً في أقسام البديع.

    فقد تبين لك أن ما يُعطي التجنيس من الفضيلة، أمرٌ لم يتمَّ إلا بنُصْرةِ المعنى، إذ لو كان باللفظ وَحْدَهُ لما كان فيه مستحسنٌ، ولما وُجد فيه معيبٌ مُسْتهجَن، ولذلك ذُمَّ الاستكثار منه والوَلُوعُ به، وذلك أن المعاني لا تَدِين في كل موضع لما يَجْذبها التجنيس إليه، إذ الألفاظ خَدَمُ المعاني والمُصرَّفةُ في حكمها، وكانت المعاني هي المالكة سياستهَا، المستحقَّةَ طاعتها، فمن نَصَرَ اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جِهَته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظنّة الاستكراه، وفيه فَتْح أبواب العيب، والتَّعرُّضُ للشَّيْن، ولهذه الحالة كان كلامُ المتقدِّمين الذين تركوا فَضْل العناية بالسجع، ولَزِموا سجِيَّةَ الطبع، أمكنَ في العقول، وأَبْعَد من القَلَقِ، وأَوضحَ للمراد، وأفضل عند ذوي التَّحصيِل، وأسلمَ من التفاوتِ، وأَكْشَفَ عن الأغراض، وأَنْصَرَ للجهة التي تَنحو نَحْوَ العقل، وأَبعدَ من التَّعمُّلِ الذي هو ضربٌ من الخِداعِ بالتزويق، والرضَى بأن تَقَع النقيصةُ في نفس الصُّورة، وإنّ الخِلْقَةَ، إذا أكثر فيها من الوَشْم والنقش، وأُثْقل صاحِبُها بالحَلْي والوَشْي، قياسُ الحَلْي على السيف الدَّدَان، والتَوسُّعِ في الدعوى بغير بُرْهان، كما قال:

    إذا لم تُشاهِدْ غَيْرَ حُسْن شِيَاتِهَا وَأَعْضَائها فالحُسْنُ عنك مُغَيَّبُ

    وقد تجد في كلام المتأخرين الآنَ كلاماً حَمَل صاحبَه فرطُ شَغَفِه بأمورٍ ترجع إلى ما له اسم في البديع، إلى أن ينسى أنَّه يتكلم ليُفهِم، ويقول ليُبين، ويُخيَّل إليه أنه إذا جَمَعَ بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عَنَاهُ في عمياء، وأنْ يُوقع السامعَ من طَلَبه في خَبْطِ عَشْوَاءِ، وربَّمَا طَمَسَ بكثرة ما يتكلَّفه على المعنى وأفسده، كمن ثقَّل العروسَ بأصناف الحَلْي حتى ينالها من ذلك مكرُوهٌ في نفسها. فإن أردت أن تعرف مِثالاً فيما ذكرتُ لك، من أن العارفين بجواهر الكلام لا يعرِّجون على هذا الفنّ إلا بعد الثقة بسلامة المعنى وصحَّته، وإلا حيثُ يأمَنون جنايةً منه عليه، وانتقاصاً له وتعويقاً دونه، فانظر إلى خُطَب الجاحظ في أوائل كتبه هذا - والخُطبُ من شأنها أن يُعْتَمَد فيها الأوزانُ والأسجاعُ، فإنها تُرْوَى وتُتناقل تَنَاقُلَ الأشعار، ومحلُّها محلُّ النسيب والتشبيب من الشعر الذي هو كأنه لا يُرَادُ منه إلاّ الاحتفالُ في الصنعة، والدَّلالةُ على مقدار شَوْطِ القَرِيحَة، والإخبارُ عن فَضْل القوة، والاقتدار على التفنُّن في الصنعة - قال في أول كتاب الحيوان: "جَنَّبك اللّه الشُّبْهة، وعَصَمَك من الحَيْرِةِ، وجعل بينك وبين المعرفة سبَباً، وبين الصدق نسبَاً، وحبَّب إليك التثُّبت، وزَيَّنَ في عينك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عِزَّ الحق، وأوْدِع صدرَك بَرْدَ اليقين وطَرَد عنك ذُلَّ اليأس، وعرَّفك ما في الباطل من الذلّة، وما في الجهل من القِلّة". فقد ترك أوَّلاً أن يوفِّق بين الشبهة و الحيرة في الإعراب، ولم يَرَ أن يَقْرن الخلاف إلى الإنصاف، ويَشْفَعَ الحق بالصدق، ولم يُعْنَ بأن يَطْلُب لليأس قرينةً تصل جناحَه، وشيئاً يكون رَدِيفاً له، لأنه رأى التوفيق بين المعاني أحقُّ، والموازنة فيها أحسنَ، ورأى العناية بها حتى تكونَ إخوةً من أبٍ وأمٍّ؛ ويذَرَها على ذلك تَتَّفقُ بالوداد، على حسب اتّفاقها بالميلاد، أَوْلى من أن يَدَعها، لنُصْرَة السجع وطلب الوزن، أولادَ عِلَّة، عسى أن لا يوجد بينها وفاق إلا في الظواهر، فأما أنْ يَتَعَدَّى ذلك إلى الضمائر، ويُخْلص إلى العقائِد والسَّرائر، ففي الأقلِّ النادر. وعلى الجملة فإنك لا تجد تجنيساً مقبولاً، ولا سَجَعاً حَسَنَاً، حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وسَاق نحوَه، وحتى تَجِده لا تبتغي به بدَلاً، ولا تجِد عنه حِوَلاً، ومن ها هنا كان أَحْلَى تجنيس تسمَعُه وأعلاه، وأحقُّه بالحُسْن وأولاهُ، ما وقع من غير قصدٍ من المتكلم إلى اجتلابه، وتأهُّب لطلبه، أو مَا هو - لحسن مُلاءمته، وإن كان مطلوباً - بهذه المنزلة وفي هذه الصورة، وذلك كما يمثّلون به أبداً من قول الشافعي رحمه اللّه تعالى وقد سئل عن النَّبيذ فقال: "أجمع أهلُ الحرمين على تحريمه"، ومما تجده كذلك قولُ البحتري:

    يَعْشَى عَنْ المجد الغبيّ؛ُ ولَنْ تَرَى في سُؤدَدٍ أَرَبـاً لـغـير أريبِ

    وقوله:

    فقد أصبحتَ أَغْلبَ تَغْلَـبِـيّاً على أيدي العَشِيرةِ والقلوب

    ومما هو شبيه به قوله:

    وهوًى هَوَى بدُموعه فتَبَادَرَت نَسَقَاً يَطأنَْ تجلُّداً مغـلـوبـا

    وقوله:

    ما زِلْتَ تقرَعُ بَابَ بابَلَ بالقَنا وتزوره في غارةٍ شعـواءِ

    وقوله:

    ذَهَبَ والأعالِي حيثُ تَذْهَبُ مُقْلَةٌ فيه بنَاظِرِهَا حَـدِيدُ الأسـفـلِ

    ومثال ما جاء من السجع هذا المجيءَ وجرى هذا المجرى في لِين مقَادته، وحلَ هذا المحلِّ من القَبُولِ قولُ القائل: اللّهم هَبْ لي حمداً، وهَبْ لِي مجداً، فلا مجدَ إلا بِفَعالٍ، ولا فَعَال إلاّ بمال، وقولُ ابن العميد: فإن الإبقاء على خَدَم السلطان عِدْلُ الإبقاء على ماله، والإشفاق على حاشيته وحَشَمه، عِدْلُ الإشفاق على ديناره ودِرْهَمه. ولستَ تجد هذا الضرب يكثُر في شيءٍ، ويستمرُّ كَثْرَته واستمرارَه في كلام القدماء، كقول خالد: ما الإنسان، لولا اللسان، إلا صورة ممثلة، وبهيمة مُهْمَلة، وقول الفضل بن عيسى الرقاشي: سَلِ الأرض فقل: مَنْ شَقَّ أنهارك، وغرسَ أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تُجبك حِواراً، أجابتك اعتباراً. وإن أنتَ تتبِّعته من الأثر وكلام النبي صلى الله عليه وسلم تَثِقْ كلَّ الثقة بوجودك له على الصِّفة التي قَدمتُ، وذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الظُّلْم ظُلُماتٌ يوم القيامة"، وقوله صلوت اللّه عليه: "لا تزالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما لم ترَ الغنى مَغْنَمَاً، والصدقةَ مَغْرَماً"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّهَا الناس؛ أَفْشُوا السلام، وأَطْعِمُوا الطعام، وصِلُواْ الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ، والناسُ نِيامٌ، تدخلُوا الجنَّةَ بِسَلامٍ"، فأنت لا تجد في جميع ما ذكرتُ لفظاً اجتُلِب من أجل السجع، وتُرك له ما هو أحقُّ بالمعنى منه وأبرُّ به، وأهدَى إلى مَذْهبه، ولذلك أنكرَ الأعرابي حين شكا إلى عامل ألماً بقوله: حُلِّئَتْ رِكَابِي، وشُقِّقَتْ ثيابي، وضُرِبَتْ صِحابِي، فقال له العامل: أَوَتَسْجَعْ أيضاً إنكارَ العامل السجع حتى قال: فكيف أقول?، وذاك أنّه لم يعلم أصلح لما أراد من هذه الألفاظ ولم يَرَهُ بالسجع مُخِلاًّ بمعنى، أو مُحْدِثاً في الكلام استكراهاً، أو خارجاً إلى تكلُّفٍ واستعمال لما ليس بمُعَتادٍ في غَرضه، وقال الجاحظ: لأنه لو قال: حُلِّئَتْ إبلي أو جمالي أو نوقي أو بُعْرَانِي أو صِرْمَتِي لكان لم يعبِّر عن حقّ معناه، وإنما حُلِّئَتْ ركابه، فكيف يدع الركابَ إلى غير الرَكّاب? وكذلك قولُه: وشُقِّقَتْ ثيابي، وضُرِبت صحَابِي، فقد تبين من هذه الجملة أن المعنى المقتضى اختصاصَ هذا النَّحو بالقَبُول: هو أنَّ المتكلم لم يَقُدِ المعنى نحوَ التجنيس والسَّجع، بل قادَه المعنى إليهما، وعَبر به الفرق عليهما، حتى إنه لو رَامَ تَركَهُما إلى خلافهما مما لا تجنيسَ فيهوالسجع النَّافر، ولا سجعَ، لدخَل من عُقُوق المعنى وإدخال الوَحْشَة عليه، في شبيهٍ بما يُنسَب إليه

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 4:00 am