الأصولية الغربية المتطرفة.. المفهوم والممارسة
أزراج عمر *
يمكن إدراج تصريح بابا الفاتيكان بأن المسيحية دين المنطق والإسلام ليس كذلك ضمن إطار هوس الأصولية المسيحية المتطرفة، لقد جاء هذا التصريح في المحاضرة التي ألقاها بألمانيا مؤخرا، وفي هذا السياق ينبغي التذكير بأنه منذ أحداث 11 سبتمبر برزت كتابات كثيرة تنذر بصراع الحضارات، وهناك من تحدث عن صراع الأصوليات كما فعل الكاتب البريطاني - الباكستاني الأصل السيد طارق على في كتاب يحمل عنوانا بهذا المعني، وفى الواقع فإن بابا الفاتيكان لم يسجل سبقا في هذا الشأن حيث أننا نجد عددا كبيرا من المثقفين الغربيين من السياسيين والمستشرقين والفلاسفة تميزوا بالفكر الأصولي المغرق في الانغلاق ورفض الآخر المتمثل في الإسلام.
فالفيلسوف (باسكال) قد جهر في كتابه الشهير "خواطر" أو "أفكار" بأن الحقيقة لا توجد خارج حدود جبال البرانس، وأكثر من ذلك فقد وجه كلاما بذيئا للرسول صلى الله عليه وسلم. فـ(باسكال) انطلق في تقييمه التعسفي للإسلام من منطلق مسيحي أصولي، ويستغرب المرء أن يقع هذا الفيلسوف والعالم الكبير في هذا النمط من التفكير غير الموضوعي والمنافي للحقائق. ونجد أيضا شخصية مهمة في التاريخ الحديث مثل (لورانس العرب) واقعة في فخ الفكر اللاغي للآخر، ففي كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" أصدر حكم قيمة بأن العقل العربي غير مؤهل لإنتاج الفلسفة.
إنه يعتبر العقل العربي قاصرا وهذا القصور ظاهرة طبيعية فيه، فحتى الفيلسوف الألماني الذي شغل ولا يزال يشغل الفكر العالمي عبر القارات لم يسلم من الأصولية الفكرية ذات الجذور المسيحية. أليس هو القائل في كتابه "مقدمة لفلسفة التاريخ" بأن "الوعي يكتمل فقط في الغرب"، لقد صرح بذلك في الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي عنونه بـ "الأساس الجغرافي للتاريخ".
وعلى ضوء ما تقدم فإننا نصطدم بعنقود من الأصوليات منها الدينية والعرقية والثقافية، والأيديولوجية في الفضاء الغربي ومما لا شك فيه أن التصنيفات والترتيبات التي تقدم بها علماء الفيلولوجية الغربيين لا تخلو من النزعة الأصولية وذلك في نظرياتهم عن المجموعات اللغوية وأصولها، أو لنقل، أصولياتها.
وفى هذا السياق سأحاول رصد بعض الدراسات التي تحدد مفهوم الأصولية، سأبدأ بإلقاء نظرة على بحث الدكتور حيدر ابراهيم "على مفهوم الأصولية: التاريخ والمعنى"، المنشور على صفحات مجلة "قضايا فكرية" المصرية - عدد أكتوبر 1993، ففي تقصيه لتاريخ مفهوم الأصولية كتب موضحا يرى (جيمس بار) هو مرجع أساسي في الأصولية، "أن الكلمة جاءت من عنوان سلسلة نشرات أو كتيبات سميت الأصول أو الأساسيات والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1910 ـ 1915م واستخدم فيها مصطلح الأصول ليعنى عناصر العقيدة التقليدية أي النص كوحي وسلطة، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم".
بعد أن يسجل الدكتور على بأن هنالك من يقول بعدم صحة إطلاق هذه التسمية على الأصوليين لأن مواقفهم أقل ضيقا وأكثر تعقيدا ومعرفة أقل جلافة وصدامية مما أظهره كتّاب "نشرات الأصول وخلفاؤهم المباشرون"، فإنه ينقلنا إلى مرجعية مسيحية أخرى للأصولية وهى البروتستانتية وبهذا الخصوص فإن هذا النمط من البروتستانتية قد نشأ في الولايات المتحدة وهى نتاج عشرينات القرن العشرين. وبعد تحديد المرجعية، أو لنقل المرجعيات الأصولية المسيحية كمفهوم يبقى الدكتور حيدر ابراهيم على الباب مفتوحا لمرجعيات أخرى.
وهنا أريد أن أتوقف عند الخلاصة التي يقدمها من أجل توضيح الركيزة الفكرية للأصولية أو للأصوليات: تلتقي كل الأصوليات حول فكرة أن النص الموجود والذي ترجع إليه يحتوى على مجموعة من الحقائق الحيّة الخالدة، أي صالحة لكل زمان ومكان وهذا ضمان معصوميتها من الخطأ. لذلك تعتبر الأيديولوجية الكتاب أو النص الذي يتخذ كمرشد مكتف ذاتيا أي توجد فيه الإجابة على كل الأسئلة الحاضرة أو القادمة.
أترك بحث الدكتور حيدر ابراهيم علي الغني بالمعلومات والأفكار المتصلة بمفهوم وتاريخ نشأة الأصولية وخاصة في طبعتها الأمريكية وأعرج الآن على ملخص بحث آخر لكاتب غربي وهو (كلاوس كينتسلر) الذي قدمت له عرضا الأستاذة المصرية هدى أحمد عيسى ومنشور في نفس العدد من مجلة "قضايا فكرية" التي ذكرتها آنفا.
منذ بداية عرضها تؤكد بأن الأصولية الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قد تزعّم حركتها (س. ل. لوس) وذلك في عام 1920، وهنا ترى بأن "الاتجاه الأصولي المسيحي يتمثل في أوروبا في أحد تيارات البروتستانتية الإنجيلية المحافظة وإلى جانب انتشاره في أمريكا فهو ينتشر في المملكة المتحدة بصورة واضحة وله إرساليات تبشيرية في دول أوروبية عديدة ويبلغ عدد أعضائه المسجلين عدّة ملايين ينتمون إلى مذاهب كنسية مختلفة".
وتشير هدى أحمد عيسى بأن "الأصولية الأمريكية قد تحولت إلى حركة قومية محافظة امتزجت فيها العناصر الأخلاقية والدينية والسياسية"، وقد برزت - حسب تقديرها - هذه الحركة خلال الحرب العالمية الأولى، وأما الدكتور سمير كرم المفكر المصري فيبحث في التطرف الديني في مجتمع متقدم "ظاهرة الجماعات في أمريكا".
يلاحظ الدكتور كرم "أن الظاهرة الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية لافتة للنظر". فنجده يقتبس عن نتائج سبر الآراء في الشارع الأمريكي ليؤكد "أن سيادة الروح الدينية في هذا البلد كانت وراء انتخاب رؤساء أمريكا الثلاثة الأخيرين قبل بيل كلنتون، وهم جيمي كارتر "1976"، ورونالد ريغان "1980 - 1984" وجورج بوش الأب "1988"، لأنهم جميعا محافظون أي أقرب إلى الدين. كما كان لا بد من إشارة إلى أنّ أول زعيم أسود رشح نفسه في انتخابات الرئاسة وهو القس جيمي جاكسون هو رجل دين".
وفضلا عن ذلك فإن الدكتور كرم يتكيء على تجربته الشخصية كمراقب أجنبي حيث لاحظ "انتشار الكنائس في الدولة الأمريكية انتشارا مذهلا"، ويلاحظ أيضا "وجود صراع حاد في الحياة الأمريكية بين مؤيدي نظرية الخلق الدينية وبين دعاة نظرية داروين التي تنطلق من الاعتقاد بالتطور وليس بالخلق".
ومن هنا يستنتج المرء بأن الديموقراطية الأمريكية التي تعتمد على الفصل بين الدين وبين الدولة حسب الدستور الأمريكي بدأت تشهد تحولات وذلك بسبب استخدام ورقة التدين والدين في الانتخابات والتي أبرزت الأيام أنها قد لعبت ولا تزال تلعب أدوارا حاسمة في ترجيح كفة المترشحين الأصوليين. ولعل حالة الرئيس جورج دبليو بوش أنصع دليل على ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من التحول وبروز الدين في داخل هرم السلطة، يقدر الدكتور سمير كرم عدد الجماعات الدينية الأصولية المتطرفة الأمريكية أنه يتراوح ما بين ألفين وخمسة آلاف جماعة، ويقدر العدد الإجمالي لأعضائها أنه يتراوح بين 10 ملايين و20 مليون شخص.
إن المشكلة الكبرى التي تبرز أمام الباحث في شؤون الحركات الدينية الغربية المتطرفة تتمثل في عدّة نقاط منها:
1 - "تحول الدين إلى مسوغ وبعد من أبعاد الحياة السياسية وهذا يعني أن ما يسمى بالنضج العلماني في إدارة شؤون الحكم بعد يتعرض للانسحاب.
2 - "ارتباط الجماعات الدينية الغربية المتطرفة بالحركة الصهيونية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. في الماضي كانت الحركات العرقية الغربية تعادي اليهود وتبطش بهم ولا تزال هذه الحركات موجودة وتتمثل في الاتجاهات التي تتغطى بغطاء القومية.
هذه الاتجاهات القومية المتطرفة رغم أنها تظهر نفسها بمظهر العلمانية ولكنها لا تخلو من الاحتماء بالهوية المسيحية. وتمثل تهديدا للأقليات الأجنبية المقيمة في أوروبا ـ الغرب، وأكثر من ذلك فإنها لم تصرح عن فصل نفسها عن التيارات المدعوة بالمحافظين الدينيين الجدد في الفضاء الغربي.
3 - "إن التيارات المسيحية الأصولية المتطرفة وصلت إلى الحكم في عدد من البلدان الغربية وخاصة في أمريكا، وتتأتى خطورة هذه التيارات من تقسيم العالم إلى قطبين متعارضين أبديا وهما قطب الشر وقطب الخير الذي ترى بأنها تمثله في حين تمثل الحركات الإسلامية قطب الشر.
إن هذه الحركات المتطرفة تعتمد النظرية الفكرية التي تتأسس على الثنائيات المتضادة على نحو لا ينتهي، وترفض التاريخ كحركة متعددة الأبعاد، وتحصر العقلانية الحضارية في المركز الغربي في حين تحشر الفضاءات اللاّغربية فى خانات اللاعقل.
* عن (العرب) التي تصدر في لندن]
أزراج عمر *
يمكن إدراج تصريح بابا الفاتيكان بأن المسيحية دين المنطق والإسلام ليس كذلك ضمن إطار هوس الأصولية المسيحية المتطرفة، لقد جاء هذا التصريح في المحاضرة التي ألقاها بألمانيا مؤخرا، وفي هذا السياق ينبغي التذكير بأنه منذ أحداث 11 سبتمبر برزت كتابات كثيرة تنذر بصراع الحضارات، وهناك من تحدث عن صراع الأصوليات كما فعل الكاتب البريطاني - الباكستاني الأصل السيد طارق على في كتاب يحمل عنوانا بهذا المعني، وفى الواقع فإن بابا الفاتيكان لم يسجل سبقا في هذا الشأن حيث أننا نجد عددا كبيرا من المثقفين الغربيين من السياسيين والمستشرقين والفلاسفة تميزوا بالفكر الأصولي المغرق في الانغلاق ورفض الآخر المتمثل في الإسلام.
فالفيلسوف (باسكال) قد جهر في كتابه الشهير "خواطر" أو "أفكار" بأن الحقيقة لا توجد خارج حدود جبال البرانس، وأكثر من ذلك فقد وجه كلاما بذيئا للرسول صلى الله عليه وسلم. فـ(باسكال) انطلق في تقييمه التعسفي للإسلام من منطلق مسيحي أصولي، ويستغرب المرء أن يقع هذا الفيلسوف والعالم الكبير في هذا النمط من التفكير غير الموضوعي والمنافي للحقائق. ونجد أيضا شخصية مهمة في التاريخ الحديث مثل (لورانس العرب) واقعة في فخ الفكر اللاغي للآخر، ففي كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" أصدر حكم قيمة بأن العقل العربي غير مؤهل لإنتاج الفلسفة.
إنه يعتبر العقل العربي قاصرا وهذا القصور ظاهرة طبيعية فيه، فحتى الفيلسوف الألماني الذي شغل ولا يزال يشغل الفكر العالمي عبر القارات لم يسلم من الأصولية الفكرية ذات الجذور المسيحية. أليس هو القائل في كتابه "مقدمة لفلسفة التاريخ" بأن "الوعي يكتمل فقط في الغرب"، لقد صرح بذلك في الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي عنونه بـ "الأساس الجغرافي للتاريخ".
وعلى ضوء ما تقدم فإننا نصطدم بعنقود من الأصوليات منها الدينية والعرقية والثقافية، والأيديولوجية في الفضاء الغربي ومما لا شك فيه أن التصنيفات والترتيبات التي تقدم بها علماء الفيلولوجية الغربيين لا تخلو من النزعة الأصولية وذلك في نظرياتهم عن المجموعات اللغوية وأصولها، أو لنقل، أصولياتها.
وفى هذا السياق سأحاول رصد بعض الدراسات التي تحدد مفهوم الأصولية، سأبدأ بإلقاء نظرة على بحث الدكتور حيدر ابراهيم "على مفهوم الأصولية: التاريخ والمعنى"، المنشور على صفحات مجلة "قضايا فكرية" المصرية - عدد أكتوبر 1993، ففي تقصيه لتاريخ مفهوم الأصولية كتب موضحا يرى (جيمس بار) هو مرجع أساسي في الأصولية، "أن الكلمة جاءت من عنوان سلسلة نشرات أو كتيبات سميت الأصول أو الأساسيات والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1910 ـ 1915م واستخدم فيها مصطلح الأصول ليعنى عناصر العقيدة التقليدية أي النص كوحي وسلطة، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم".
بعد أن يسجل الدكتور على بأن هنالك من يقول بعدم صحة إطلاق هذه التسمية على الأصوليين لأن مواقفهم أقل ضيقا وأكثر تعقيدا ومعرفة أقل جلافة وصدامية مما أظهره كتّاب "نشرات الأصول وخلفاؤهم المباشرون"، فإنه ينقلنا إلى مرجعية مسيحية أخرى للأصولية وهى البروتستانتية وبهذا الخصوص فإن هذا النمط من البروتستانتية قد نشأ في الولايات المتحدة وهى نتاج عشرينات القرن العشرين. وبعد تحديد المرجعية، أو لنقل المرجعيات الأصولية المسيحية كمفهوم يبقى الدكتور حيدر ابراهيم على الباب مفتوحا لمرجعيات أخرى.
وهنا أريد أن أتوقف عند الخلاصة التي يقدمها من أجل توضيح الركيزة الفكرية للأصولية أو للأصوليات: تلتقي كل الأصوليات حول فكرة أن النص الموجود والذي ترجع إليه يحتوى على مجموعة من الحقائق الحيّة الخالدة، أي صالحة لكل زمان ومكان وهذا ضمان معصوميتها من الخطأ. لذلك تعتبر الأيديولوجية الكتاب أو النص الذي يتخذ كمرشد مكتف ذاتيا أي توجد فيه الإجابة على كل الأسئلة الحاضرة أو القادمة.
أترك بحث الدكتور حيدر ابراهيم علي الغني بالمعلومات والأفكار المتصلة بمفهوم وتاريخ نشأة الأصولية وخاصة في طبعتها الأمريكية وأعرج الآن على ملخص بحث آخر لكاتب غربي وهو (كلاوس كينتسلر) الذي قدمت له عرضا الأستاذة المصرية هدى أحمد عيسى ومنشور في نفس العدد من مجلة "قضايا فكرية" التي ذكرتها آنفا.
منذ بداية عرضها تؤكد بأن الأصولية الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قد تزعّم حركتها (س. ل. لوس) وذلك في عام 1920، وهنا ترى بأن "الاتجاه الأصولي المسيحي يتمثل في أوروبا في أحد تيارات البروتستانتية الإنجيلية المحافظة وإلى جانب انتشاره في أمريكا فهو ينتشر في المملكة المتحدة بصورة واضحة وله إرساليات تبشيرية في دول أوروبية عديدة ويبلغ عدد أعضائه المسجلين عدّة ملايين ينتمون إلى مذاهب كنسية مختلفة".
وتشير هدى أحمد عيسى بأن "الأصولية الأمريكية قد تحولت إلى حركة قومية محافظة امتزجت فيها العناصر الأخلاقية والدينية والسياسية"، وقد برزت - حسب تقديرها - هذه الحركة خلال الحرب العالمية الأولى، وأما الدكتور سمير كرم المفكر المصري فيبحث في التطرف الديني في مجتمع متقدم "ظاهرة الجماعات في أمريكا".
يلاحظ الدكتور كرم "أن الظاهرة الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية لافتة للنظر". فنجده يقتبس عن نتائج سبر الآراء في الشارع الأمريكي ليؤكد "أن سيادة الروح الدينية في هذا البلد كانت وراء انتخاب رؤساء أمريكا الثلاثة الأخيرين قبل بيل كلنتون، وهم جيمي كارتر "1976"، ورونالد ريغان "1980 - 1984" وجورج بوش الأب "1988"، لأنهم جميعا محافظون أي أقرب إلى الدين. كما كان لا بد من إشارة إلى أنّ أول زعيم أسود رشح نفسه في انتخابات الرئاسة وهو القس جيمي جاكسون هو رجل دين".
وفضلا عن ذلك فإن الدكتور كرم يتكيء على تجربته الشخصية كمراقب أجنبي حيث لاحظ "انتشار الكنائس في الدولة الأمريكية انتشارا مذهلا"، ويلاحظ أيضا "وجود صراع حاد في الحياة الأمريكية بين مؤيدي نظرية الخلق الدينية وبين دعاة نظرية داروين التي تنطلق من الاعتقاد بالتطور وليس بالخلق".
ومن هنا يستنتج المرء بأن الديموقراطية الأمريكية التي تعتمد على الفصل بين الدين وبين الدولة حسب الدستور الأمريكي بدأت تشهد تحولات وذلك بسبب استخدام ورقة التدين والدين في الانتخابات والتي أبرزت الأيام أنها قد لعبت ولا تزال تلعب أدوارا حاسمة في ترجيح كفة المترشحين الأصوليين. ولعل حالة الرئيس جورج دبليو بوش أنصع دليل على ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من التحول وبروز الدين في داخل هرم السلطة، يقدر الدكتور سمير كرم عدد الجماعات الدينية الأصولية المتطرفة الأمريكية أنه يتراوح ما بين ألفين وخمسة آلاف جماعة، ويقدر العدد الإجمالي لأعضائها أنه يتراوح بين 10 ملايين و20 مليون شخص.
إن المشكلة الكبرى التي تبرز أمام الباحث في شؤون الحركات الدينية الغربية المتطرفة تتمثل في عدّة نقاط منها:
1 - "تحول الدين إلى مسوغ وبعد من أبعاد الحياة السياسية وهذا يعني أن ما يسمى بالنضج العلماني في إدارة شؤون الحكم بعد يتعرض للانسحاب.
2 - "ارتباط الجماعات الدينية الغربية المتطرفة بالحركة الصهيونية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. في الماضي كانت الحركات العرقية الغربية تعادي اليهود وتبطش بهم ولا تزال هذه الحركات موجودة وتتمثل في الاتجاهات التي تتغطى بغطاء القومية.
هذه الاتجاهات القومية المتطرفة رغم أنها تظهر نفسها بمظهر العلمانية ولكنها لا تخلو من الاحتماء بالهوية المسيحية. وتمثل تهديدا للأقليات الأجنبية المقيمة في أوروبا ـ الغرب، وأكثر من ذلك فإنها لم تصرح عن فصل نفسها عن التيارات المدعوة بالمحافظين الدينيين الجدد في الفضاء الغربي.
3 - "إن التيارات المسيحية الأصولية المتطرفة وصلت إلى الحكم في عدد من البلدان الغربية وخاصة في أمريكا، وتتأتى خطورة هذه التيارات من تقسيم العالم إلى قطبين متعارضين أبديا وهما قطب الشر وقطب الخير الذي ترى بأنها تمثله في حين تمثل الحركات الإسلامية قطب الشر.
إن هذه الحركات المتطرفة تعتمد النظرية الفكرية التي تتأسس على الثنائيات المتضادة على نحو لا ينتهي، وترفض التاريخ كحركة متعددة الأبعاد، وتحصر العقلانية الحضارية في المركز الغربي في حين تحشر الفضاءات اللاّغربية فى خانات اللاعقل.
* عن (العرب) التي تصدر في لندن]